ماذا يعني الحب؟ وهل وجدت الحب يوماً طارقاً قلبي؟ وبمَ أجيبه؟
سؤال ربما يطرح على إحدانا بين الفينة والفينة لكن أظن أن الجواب يختلف بإختلاف أحاسيسنا ورؤانا..
دعيني أقص على مسامعكِ تجربة من واقع الحياة.. تجربة حب أفضت إلى الإيمان..
الحب والأمان.. كان منتهى الحلم وكانت تعيش على أمل أن يحقق الله لها مرادها، وكانت تعتقد أن ذاك الحلم لن يتحقق إلا مع إنسان يشاركها الحياة تبادله ويبادلها حباً بحب، وتشعر في ظل ذلك الحب بالأمان الذي طالما إفتقدته في حياتها.
ولطالما بحثت عن ذلك الإنسان ربما يكون قريباً منها وهي لا تدري ولا تجده، وتظل يحدوها الأمل ولا تيأس من أنها ستقابله يوماً ما، وجاء اليوم... جاء اليوم وقابلته، ومن أول يوم قابلته شعرت أنها وجدت مبتغاها وقد نالت من الدنيا ما تمنت فأحبته وأحبت الحياة لأجله وأحبت نفسها..
كانت تشعر وهي معه كما لو أنها فراشة تنعم في بستان جميل بديع الألوان والأوصاف.. نعم كانت تشعر وكأنها تلمس السماء لكنها كانت دائماً تكن ذلك الشعور داخلها ولا تبديه.. موقنةً أن الإحساس بالحب نعمة ينعم بها الله على مَن يشاء من عباده وقد رأت أن الله قد أودع في قلبها تلك النعمة ورأت أن ترعى تلك النعمة بحمد الله وشكره عليها وعدم الإساءة لتلك النعمة وإلا إسترد الله وديعته ونزع تلك النعمة من قلبها..
لكنها سألت نفسها كيف سيبادلني الحب إذن؟.. فكما قيل حبك لإنسان لا يكفل حبه لك وكانت تقول هو ليس باستطاعته أن يجعل قلبه يحبها لأن قلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فما الحيلة؟.. ولم تجد إلا أن تتقرب إلى الله لكي يقلب قلبه نحوها ودعت الله كثيراً وكانت تفكر كثيراً.. فاستوقفتها فكرة " أنها تتقرب إلى الخالق لكي يقترب منها المخلوق "..
فكأنها استحيت من ربها فقالت في نفسها: الله خلقني وخلق مَن أحب ووهبني ووهبه الفؤاد والإحساس.. وخلق لنا الحب ذلك الإحساس البديع الذي يسري في النفس فتحيا به حياة فوق الحياة.. ولماذا فعل معنا كل ذلك؟! لابد أنه يحبنا.
فجعلت تقول: الله في قلبي قبل كل شيء سيكون الحب الأول في حياتي فهو الأحق والأجدر بمكانة الصدارة في قلوب عباده.. أبداً لن أتنازل عن حبي لربي وليكن ما يكون..
وحينها بدأ ذلك الإنسان يتودد إليها فكانت ترفع رأسها وتقلب وجهها في السماء وكأنها تنظر إلى الجنة وتقول في نفسها ما عند الله خير وأبقى.. ما عند الله خير وأبقى..
وتمر الأيام.. وتمر السنون على ذلك الحال.. ويعجب مَن حولها لأمرها ويتساءلون: أتحبين بقلبك أم بعقلك؟!.. فتجيب: الحمد لله الذي وهبني العقل والعاطفة.
فيقولون أتمسكين قلبك ألا يحب؟!.. فتجيب: نعم أمسكه إلا في طاعة الله. ويعيدون عليها السؤال: بإختيارك تضحين بحبك؟!.. فتقول: نعم إختياري ولابد أن يحيا المرء بإختياره وبقراره هو لا بقرار الآخرين..
وأخذت تردد: كان حلمي الحب والأمان وجدته في حبي لربى وكان يعلق في ذهنها منذ سنوات قول القائل:
إن نفساً لم يشرق الحب فيها *** هي نفس لم تدر معناها
أنا بالحب قد وصلت إلى نفسي *** وبالحب قد عرفت الله
¤ رسالة المرأة:
وتقلبت عليها دول الأيام مع ذلك الإنسان يوم لها ويوم عليها فلم تبالي كان لها أو لغيرها لكنها كانت دائماً تبحث عن الحق.. تبحث عن حكمة الله فكأن الله أراد لها الخير فأحبته حباً جماً وأحبت دينه وأحبت قرآنه وأحبت نبيه وأحبت المؤمنين بل والإنسانية جمعاء..
فباتت تردد كنت أود أن يكون لي نصيب في بيت من البيوت القليلة التي تبنى على الحب كما يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه الذي أقر تلك الحقيقة: أن أقل البيوت ما يبنى على الحب.
لكن لا ضير لا يموت الحب فينا إن زرعناه، ويبقى مثل أشجار النخيل الواقفة..
فأصبح الحب قضية حياتها تسعى لتغرسه في كل القلوب.. وأيقنت أن الإيمان إنما يبنى على الحب، فقد قال الحبيب المصطفى «ذاق طعم الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف به في النار»..
كما أقر صلى الله عليه وسلم بذلك عندما سأله رجل: متى الساعة؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: «وما أعددت لها؟» فقال: والله ما أعددت لها من كثير من صلاة ولا صيام غير أنى أحب الله ورسوله» فقال له نبي الله وحبيبه: «أنت مع من أحببت».
ومن أجمل ما قرأت في الحب أن الحب نور يقذف في القلب يبصر به المرء ذاته، ويستبصر طريقه في الحياة، فهذه هديت إلى الإيمان بالحب.. وعرفت أن الحب نبع كلما أعطى كلما فاض فالخطأ ليس فيما أودع الله فينا لكن الخطأ كل الخطأ فينا حين نسيء فهم ومعاملة وديعة الله فى قلوب عباده..
فعلى من أراد الحياة أن يفسح في قلبه مجرى لنهر من الحب منبعه معرفة الله سبحانه وتعالى وروافده كتاب الله المقروء وكتاب الله المنظور ومصبه مجالات الحياة..
هذه كانت خاطرتي حول الحب.. أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.. وعلى الحب وعلى الخير نلتقي.
الكاتب: أ. عدولة الشحات.
المصدر: موقع منارات.